يمكن تعريف التحكيم بأنه الاتفاق على طرح النزاع على شخص أو أشخاص مُعينين للفصل فيه دون اللجوء للمحكمة المختصة به.

وبمقتضى هذا التحكيم يتنازل الخصوم عن اللجوء إلى القضاء مع التزامهم بطرح النزاع على محكم أو أكثر ليفصلوا فيه بحكم ملزم للخصوم، وقد يكون هذا الاتفاق تبعاً لعقد معين تُذكر فيه العملية ويُسمى شرط التحكيم وقد يكون بمناسبة نزاع معين قائم بالفعل بين الخصوم ويُسمى في هذه الحالة مشارطة التحكيم أو اتفاق التحكيم.

وإذا كانت الدول تجيز التحكيم فذلك بقصد التيسير على الخصوم وحتى يفصلَ في النزاع هيئة فنية لتفادي جلسات القضاء وإجراءاته وتفادي الحاجة للجوء إلى خبراء مع توفير الوقت والجهد في كل الأحوال ويرتكز التحكيم على أساسين هما: إرادة الخصوم وإقرار المشرِّع لهذه الإرادة.

والمحتكم باتفاقه على التحكيم يمنح المُحكمَ سلطةَ الفصل في النزاع بدلا من المحكمة المختصة أصلا بنظره، فإرادة المحتكم في عقد التحكيم تقتصر على مجرد إحلال المُحكِّم محل المحكمة في نظر النزاع بحيث إذا لم يُنفذ عقد التحكيم لأي سبب من الأسباب عادت سلطة الحكم إلى المحكمة.

وهناك صلة بين التحكيم والأصول القضائية فهو إما أن يبدأ بعقد وينتهي بحكم وإما أن يخضع لقواعد القانون المدني من حيث انعقاده – وهو في هذه الحالة يخضع لقانون المرافعات من حيث الآثار والنفاذ والإجراءات.

التحكيمُ يبطلُ بما تبطل به العقود كما أن حكمه يُطعن فيه بدعوى بطلان في خطأ إجرائي فقط ولأسباب حددها القانون على سبيل الحصر ولا يطعن في موضوعه فليس لقاضي البطلان التدخل في موضوع الدعوى وينفذ حكم التحكيم كما تنفذ الأحكام.

الطبيعة القانونية للتحكيم :

يهمنا في هذا المقام التنبيه إلى أن تحديد هذه الطبيعة لا تعد مسألة نظرية بحتة، بل هي تؤدي إلى نتائج بالغة الأهمية تختلف باختلاف هذه الطبيعة القانونية للتحكيم، وقد تعددت الآراء والاتجاهات الفقهية حول هذا الأمر.

فبينما يرى جانب من الفقه : رد التحكيم إلى مبدأ سلطان الإرادة بالقول : بأنه ذو طبيعة تعاقدية بحتة باعتبار أن الأساس فيه هو اتفاق أطراف النزاع وأهم ما يترتب على ذلك القول هو كف يد الدولة عن التدخل في التحكيم إلا لمنع المساس بالنظام العام أو لضمان حسن سير التحكيم، وكذلك أن تنفيذ أحكام هيئة التحكيم تتم طواعية دون تدخل القضاء إلا في أضيق نطاق.

بينما ذهب فريق آخر إلى القول : بأن الطبيعة القانونية للتحكيم هي طبيعة قضائية بالنظر إلى طبيعة المهمة التي يقوم بها المحكمون وهى مهمة قضائية إذ أن مهمته الأساسية الفصل في النزاع لا على هوى الخصوم ولكن وفق ما ينتهي إليه من فهمه تطبيقا لحكم القانون أو لقواعد العدالة، ويترتب على هذا الاتجاه أن يتسع المقام لتدخل الدولة في تنظيم إجراءات التحكيم والإلزام لتنفيذ أحكامه لأن التحكيم في هذه الحالة يقوم به قضاة في حقيقة الأمر ومن ثم يتعين التزامهم بالقواعد التي توضع لضمان حسن سير إجراءات التحكيم وسلامة الحكم الصادر عن المحكمين.

وهناك الاتجاه الثالث:  فقد جمع بين الطبيعة القانونية ؛ التعاقدية ؛ الاتفاقية ؛ للتحكيم والطبيعة القضائية له وذلك بالجمع بين مراحل التحكيم المختلفة ؛ وهو ما يعرف بالطبيعة القانونية المزدوجة للتحكيم.

حيث تبدو الصفة التعاقدية واضحة في اختيار الخصوم – لقضاء التحكيم لفض نزاعهم بعيداً عن قضاء الدولة، ثم يغير من هذه الطبيعة الاتفاقية إلى الطبيعة القضائية عندما يستعين بقضاء الدولة لإنفاذ الحكم، فإذا كان التحكيم يبدأ بعقد فهو ينتهي بحكم، وإذا كان يخضع لقواعد القانون المدني من حيث انعقاده فهو يخضع لقواعد قانون الإجراءات المدنية من حيث آثاره، ونفاذه وإجراءاته كما أنه يُنفًذ كما تنفذ الأحكام وبعض ممن يرى هذا الرأي يميل إلى القول بأن الصفة القضائية هي التي تغلب على التحكيم إذ أنه من زاوية كونه قضاء إجباريا ملزماً يستمد سلطة الإجبار من اتفاق الخصوم عليه وإقرار السلطة العامة له فاتفاق التحكيم هو مصدر قضاء التحكيم الإلزامي.

وهناك اتجاه آخر يرى أن التحكيم ذو صبغة ذاتية ومستقلة.

ويظهر جلياً من نصوص القانون أن المشرع قد نظر للتحكيم على أساس أنه ذو طبيعة مزدوجة فترك للمتعاقدين أن يشترطوا في العقد الأساسي أو باتفاق لاحق عرض ما ينشأ بينهم من نزاع على محكم أو أكثر، كما أطلق يد المحكمين في التفلت من بعض الإجراءات المدنية، كما اشترط لتنفيذ حكم المحكمين مصادقة المحكمة عليه، وأعطى لها سلطة تصحيح ما يقع فيه من أخطاء مادية بالطرق المقررة لتصحيح الأحكام، كما قيد الطعن على حكم المحكمين بحالات محددة على سبيل الحصر.